الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
وجملة ذلك: أنه يستحب أن يكون متطهرًا حال الإقامة. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لأنه إذا لم يكن على طهارة.. فأقل ما في ذلك: أنه يعرض نفسه للتهمة، ويستهزئ الناس به). وعلل أصحابنا بغير هذا، وقالوا: لأن الإقامة تراد لاستفتاح الصلاة، فاحتاج أن يكون على صفة يمكنه استفتاحها.
و (جذم الحائط): أصله. وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «ما كان بين أذان بلال، وابن أم مكتوم إلا قدر ما ينزل هذا ويرقى هذا». فأخبرت أنهما يرقيان إلى موضع عند أذانهما. ولأن ذلك أبلغ في الإعلام. والمستحب: أن يؤذن قائمًا، مستقبل القبلة؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: قم فأذن». ولأنه إذا لم يكن بد من جهة.. فجهة القبلة أولى. وقال الجويني: القيام مع القدرة، واستقبال القبلة شرط في الأذان. والأول هو المشهور؛ لأن الأذان ليس بأعلى حالاً من صلاة النفل، وصلاة النفل تصح مع ترك القيام فيها مع القدرة عليه. ولأن المقصود بالأذان: الإعلام بدخول الوقت، وذلك يحصل وإن كان قاعدًا، أو إلى غير القبلة.
فأما سائر بدنه وقدماه: فلا يلتوي بذلك، سواء كان على الأرض، أو على المنارة. وقال ابن سيرين: لا يستحب ذلك. وقال أحمد: (إن كان على المنارة.. فعل ذلك). وقال أبو حنيفة: (إن كان فوق المنارة.. استدار بجميع بدنه. وإن كان على الأرض.. لوى عنقه لا غير). دليلنا: ما «روى أبو جحيفة قال:أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة وهو في قبة له حمراء من أدم، فخرج بلال فأذن، فلما بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح.. لوى عنقه يمينًا وشمالاً ولم يستدر، وأصبعاه في أذنيه، وخرج بلال بين يديه بالعنزة، فركزها بالبطحاء، فصلى إليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمر بين يديه الكلب والحمار، وعليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بريق ساقيه». وفي كيفية الالتواء وجهان: أحدهما: وهو قول البغداديين من أصحابنا -: أنه يلوي عنقه ورأسه إلى الجانب الأيمن، فيقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة. ويلوي عنقه ورأسه إلى الجانب الأيسر، فيقول: حي على الفلاح، حي على الفلاح. وفي كيفية التوائه على هذا أيضًا وجهان: أحدهما: أنه يلوي عنقه ورأسه إلى الجانب الأيمن، ويقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، ثم يرد وجهه إلى القبلة، ثم يلوي عنقه إلى الجانب الأيسر، ويقول: حي على الفلاح، حي على الفلاح. والثاني: أنه يلوي عنقه إلى الجانب الأيمن، فيقول: حي على الصلاة، ثم يرد وجهه إلى القبلة، ثم يلوي إلى الجانب الأيمن، فيقول: حي على الصلاة، ثم يرد وجهه إلى القبلة، ثم يلوي إلى الجانب الأيسر، ويقول: حي على الفلاح، ثم يرد وجهه إلى القبلة، ثم يلوي إلى الجانب الأيسر، ويقول: حي على الفلاح، ثم يرد وجهه إلى القبلة، ويتم أذانه. والوجه الثاني - في أصل المسألة، وهو قول القفال -: أنه يكون عنقه إلى القبلة، ثم يلوي إلى الجانب الأيمن، فيقول: حي على الصلاة، ثم يرد وجهه إلى القبلة، ثم يلوي عنقه ورأسه إلى الجانب الأيسر، فيقول: حي على الصلاة، ثم يرد وجهه إلى القبلة ثم يلوي عنقه إلى الجانب الأيمن، فيقول: حي على الفلاح، ثم يرد وجهه إلى القبلة ثم يلوي إلى الجانب الأيسر، فيقول: حي على الفلاح. وإنما خصت الحيعلة بالالتواء دون سائر ألفاظ الأذان؛ لأن سائر ألفاظ الأذان ذكر لله ولرسوله، فكان الاستقبال بها أولى. والحيعلة: تراد للإعلام بدخول الوقت، فكان الالتواء بهما أشبه. وهل يلتوي في حال الإقامة بالحيعلة؟ فيه وجهان، خرجهما القفال: أحدهما: يلتوي، كالأذان. والثاني: لا يلتوي؛ لأن الإقامة للحاضرين، فلا يحتاج إلى الالتواء. بخلاف الأذان، فإنه للغائبين، فاستحب الالتواء فيه؛ ليحصل الإعلام لجميع أهل الجهات.
ولأنه قد يكون هناك من لا يسمع صوته، فيحصل له العلم بالأذان بمشاهدته له بذلك. ويستحب له أن يترسل في الأذان وهو: الترتيل. و يدرج الإقامة وهو: القطع لما روى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: «يا بلال، إذا أذنت.. فترسل، وإذا أقمت.. فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته، ولا تقوموا حتى تروني». ذكره الترمذي. وروي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال للمؤذن: (إذا أذنت.. فترسل، وإذا أقمت.. فاحذم). قال أبو عبيد: والرواية بالحاء، وهو القطع، وكذلك الجذم - بالجيم - أيضًا: القطع. ولأن الأذان للغائبين، فكان الترسل فيه أبلغ، والإقامة للحاضرين، فكان الحدر فيها أولى.
ولا يرفع، بحيث يخاف انشقاق حلقه؛ لما روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لأبي محذورة - وقد بالغ في رفع صوته -: (أما خشيت أن تنشق مريطاؤك). و (المريطاء): ما بين السرة والعانة، والغالب عليها المد، وبذلك وردت الرواية، ويجوز قصرها. قال الشافعي: (والأذان بغير تمطيط، ولا بغي). وقيل: (ولا تغن). فمن أصحابنا من قال: (التمطيط): التمديد، ولهذا يقال: مطط حاجبه، إذا مده. و (البغي): هو أن يرفع صوته، حتى يجاوز المقدار. ومنهم من قال: (التمطيط): التقطيع. و (البغي): أن يتشدق في كلامه، ويتشبه في كلامه بالجبارين. وأما (التغني): فهو التطريب والتلحين، وأيهما كان.. فهو مكروه. وإن كان يؤذن لنفسه وحده.. لم يرفع صوته؛ لأنه لا يعلم غيره. وأما في الإقامة: فلا يرفع صوته، كما يرفع في الأذان؛ لأنها للحاضرين.
قال الشيخ أبو حامد: هذا إذا كان يؤذن لنفسه، فأما إذا كان يؤذن في مسجد الجماعات.. فإنه يجهر به، ولا يخافت في شيء؛ ليحصل به الإعلام. قال: فإن خافت ببعضه.. فإن شاء أعاد ما خافت به، وإن شاء استأنف. وقال ابن الصباغ: يحتمل أن يريد الشافعي بذلك: إذا خافت بشيء، لا يخرجه ذلك من حصول الإعلام، كتكبيرة، أو شهادة، فيكون الباقي كافيًا.
قال ابن الصباغ: وإنما قال هكذا في "الأم"؛ لأن الأذان مسنون في "الأم" سواء رجا اجتماع جماعة، أو لم يرج.
فإن تكلم فيه.. لم يبطل؛ لما روي عن سليمان بن صرد: (أنه كان يتكلم في أذانه بحوائجه). وكانت له صحبة. وروى نافع عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أمر مؤذنه - في ليلة باردة ذات ريح - أن يقول: ألا صلوا في رحالكم». وظاهر هذا: أنه كان في حال الأذان. وروي عن ابن عباس: (أنه أمر مؤذنه في يوم الجمعة وكان مطيرًا أن يقول - بعد الفلاح -: صلوا في رحالكم، وقال: قد فعله من هو خير مني). فإن تكلم كلامًا يسيرًا.. لم يبطل أذانه. وهل يستحب له الاستئناف؟ فيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي علي الطبري، والشيخ أبي حامد -: أنه لا يستحب له الاستئناف، كما لو سكت سكوتًا يسيرًا. والثاني - وهو قول ابن الصباغ -: أنه يستحب له الاستئناف؛ لأنه مستغن عن يسير الكلام، غير مستغن عن يسير السكوت. وإن تكلم كلامًا كثيرًا، أو سكت سكوتًا كثيرًا، أو نام أو أغمي عليه في حال أذانه.. فهل يبطل أذانه؟ فيه طريقان: الأول: قال البغداديون من أصحابنا: لا يبطل أذانه. والثاني: قال الخراسانيون: يبنى على من سبقه الحدث في الصلاة، فإن قلنا: لا تبطل صلاته.. فهاهنا أولى، وإن قلنا: تبطل صلاته.. ففي الأذان قولان. والفرق بينهما: أن الكلام اليسير يجوز في الأذان، بخلاف الصلاة. فإذا قلنا: لا يبطل.. فهل لغيره أن يبني على أذان الأول؟ قال البغداديون من أصحابنا: لا يجوز؛ لأن ذلك لا يحصل به الإعلام؛ لأن السامع يظن أن ذلك على وجه التلاعب. وقال الخراسانيون: إن قلنا: يجوز الاستخلاف في الصلاة.. ففي الأذان أولى أن يجوز. وإن قلنا: لا يجوز الاستخلاف في الصلاة. ففي الأذان قولان. والفرق بينهما ما قدمناه.
وإن ارتد في حال الأذان.. لم يصح إتمامه منه في حال ردته؛ لأن الكافر لا يعتد بأذانه. ولا يجوز لغيره أن يبني عليه، على طريقة البغداديين من أصحابنا، وهو المشهور. فإن رجع إلى الإسلام عن قرب.. فهل يجوز له البناء عليه؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز؛ لأنه قد بطل بالردة. والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لأن الردة لا تبطل العمل - عندنا - ما لم تتصل بالموت.
وقال الزهري: تبطل الإقامة. دليلنا: أن الخطبة أعلى من الإقامة؛ لأنها شرط في الصلاة، ويشترط فيها الطهارة والستارة في قول. فإذا لم تبطل بالكلام.. فلأن لا تبطل الإقامة بذلك أولى.
وإنما سن له أن يقول كما يقول المؤذن في غير الحيعلة؛ ليدل على رضاه بقوله، وأما (الحيعلة): فمعناها الدعاء؛ لأن معنى: (حي على الصلاة) أي: هلم إلى الصلاة، ومعنى (حي على الفلاح) أي: هلم إلى العمل الذي يوجب (الفلاح)، وهو: البقاء في الجنة. وهذا المعنى لا يصلح لغير المؤذن، فاستحب له أن يأتي بذكر لله غيره. وخص قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله عند الحيعلة؛ لأن معناها: لا حول عن معصية الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بالله. والصلاة من أعمال الطاعات. قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 59] ويقول المتابع عند تثويب المؤذن: صدقت وبررت. إذا ثبت هذا: فروى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته.. حلت له الشفاعة يوم القيامة». وروى سعد بن أبي وقاص: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قال حين يسمع النداء: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًا ورسولاً.. غفر الله له ما تقدم من ذنبه». وهذا يدل على: أنه يقول ذلك في أثناء أذانه. وروى عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا سمعتم المؤذن.. فقولوا: مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي مرة.. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بها عشرًا، ثم اسألوا الله لي الوسيلة والفضيلة؛ فإنها منزلة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن يكون أنا، فمن سأل الله لي الوسيلة.. حلت له الشفاعة». وهذا يدل على: أنه يقول ذلك بعد الأذان. قال ابن الصباغ: ويحتمل أن يقول مثل ما يقول المؤذن، ثم يدعو في حال تطويل المؤذن صوته، وأي ذلك فعل.. جاز. وإن كان في أذان المغرب.. قال: «اللهم: إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي»؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أم سلمة أن تقول ذلك. قال أصحابنا: وإن كان في أذان الصبح.. قال: اللهم هذا إقبال نهارك، وإدبار ليلك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي.
فإن سمع المؤذن، وهو في الصلاة.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لم يتابعه، فإذا فرغ منها.. قاله). هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 59] هل يسن للمصلي متابعة المؤذن؟ فيه قولان: ولا فرق - عندنا - بين صلاة الفرض والنفل. وقال مالك، والليث: (إن كان في النفل.. تابعه، إلا في الحيعلة.. فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله). وهذا ليس بصحيح؛ لأن ذلك يقطعه عن الصلاة، ويشتغل بغيرها. فإن خالف المصلي، وتابع المؤذن، فإن قال مثل ما قال المؤذن، وقال عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله.. لم تبطل صلاته بذلك؛ لأن ذلك ذكر لله، وذكر الله لا يبطل الصلاة. وإن قال في الحيعلة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإن لم يعلم أن هذا دعاء إلى الصلاة.. لم تبطل صلاته. وإن علم.. بطلت صلاته؛ لأنه خطاب آدمي. قال الصيمري: إن تابعه، وأراد به الأذان.. بطلت صلاته. وإن قال ذلك على سبيل الذكر.. لم تبطل صلاته، إذا لم يقل: حي على الصلاة، حي على الفلاح، مع العلم بتحريمه.
ويكره الخروج من المسجد بعد الأذان، وقبل الصلاة إلا لعذر؛ لما «روى أبو الشعثاء قال:خرج رجل من المسجد بعد ما أذن فيه بالعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا: فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وبه قال عثمان. وقال النخعي: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة. ودليلنا عليه: ما تقدم.
قال في "الأم" [1/72] (وإذا أذن المؤذن الأول.. خرج الإمام، ولم ينتظر أذان غيره، فإذا خرج الإمام.. قطع الأذان وصلى). قال الشيخ أبو حامد: إذا كان للمسجد جماعة مؤذنين، فأذن واحد منهم في أول الوقت.. فإن الإمام يخرج، ولا ينتظر أذان غيره. فإذا خرج.. قطع المؤذنون، ولم يؤذنوا، وصلى؛ لأنه إذا صلى في ذلك الوقت.. أدرك الناس فضيلة أول الوقت. وإذا أخره وانتظر أذان الباقين.. فاتهم فضيلة أول الوقت، فكان تحصيل فضيلة أول الوقت أولى.
ويستحب أن يتولى الإقامة من تولى الأذان؛ لما روي «عن زياد بن الحارث الصدائي: قال: أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أؤذن في صلاة الفجر، فأذنت، فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أخا صداء أذن، ومن أذن.. فهو يقيم». قال الجويني: ولا يقيم إلا واحد، فإن أذن جماعة واحد بعد واحد.. أقام من أذن أولاً. وإن أذنوا في حالة واحدة.. اقترعوا للإقامة، أو رضوا بواحد منهم يقيم. فإن أذن واحد، وأقام غيره.. قال البغداديون من أصحابنا: صح؛ لـ: (أن بلالا أذن، وأقام عبد الله بن زيد بحضرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). وقال الخراسانيون: هل يعتد بالإقامة؟ فيه قولان، بناء على القولين، إذا خطب واحد، وصلى آخر. ويؤذن المؤذن عند دخول الوقت من غير أمر. وأما الإقامة: فلا يقيم إلا بأمر الإمام؛ لما روي في حديث أبي جحيفة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تقوموا حتى تروني». وروي عن جابر بن سمرة: قال: «كان مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمهل فلا يقيم، حتى إذا رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خرج.. أقام الصلاة حين يراه». ويستحب - لمن سمع الإقامة - أن يقول كقوله، إلا في الحيعلة.. فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ويقول في لفظ الإقامة لفظ: «أقامها الله وأدامها»؛ لما روى أبو أمامة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك.
ولا يضر أن يكون أكثر من اثنين. وقال أبو علي الطبري، وعامة أصحابنا: لا يجاوز أربعة؛ لأن أكثر ما روي عن الصحابة في ذلك، عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أنه اتخذ أربعة). ولأنهم إذا زادوا على ذلك، وأذنوا واحدًا بعد واحدٍ.. فوتوا على الناس فضيلة أول الوقت. وقال ابن الصباغ: هذا التقدير لا يصح، بل على حسب ما تدعو إليه الحاجة؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يحدد ذلك بحد. فإن كانوا أكثر من واحد.. لم يتراسلوا بالأذان، بل يؤذن واحد بعد واحد إن كان الوقت متسعًا؛ لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا قدر ما ينزل هذا، ويرقى هذا». قال الجويني: فإن ضاق الوقت.. أذنوا دفعة واحدة. وهكذا إن كان المسجد كبيرًا.. فلا بأس أن يؤذن كل واحد منهم في منارة، أو ناحية منه؛ ليسمع من يليه من أهل البلد. |